المشاركات

عرض المشاركات من نوفمبر, ٢٠١٧

فهرس الكتاب

١ - جزيرة موريس ‏ ٢ - الشيخ ‏ ٣ - مدام دي لاتور ‏ ٤ - مرغريت ‏ ٥ - الحياة الطبيعية ‏ ٦ - حياة الطفولة ‏ ٧ - العزاء ‏ ٨ - الاستعمار الأوروبي ‏ ٩ - السعادة ‏ ١٠ - العمل ‏ ١١ - التاريخ ‏ ١٢ - مِخْدَع فرجيني ‏ ١٣ - ليالي الشتاء ‏ ١٤ - آدم وحواء ‏ ١٥ - الخفقة الأولى ‏ ١٦ - الرسالة ‏ ١٧ - الوداع ‏ ١٨ - السفر ‏ ١٩ - أوروبا ‏ ٢٠ - الطبيعة ‏ ٢١ - الحديث ‏ ٢٢ - السفينة ‏ ٢٣ - العاصفة ‏ ٢٤ - الكارثة ‏ ٢٥ - أحزان بول ‏ ٢٦ - الموت ‏ ٢٧ - الإيمان ‏ ٢٨ - النهاية ‏ بول وفرجيني ‏

إهداء الرواية

إهداء الرواية يعجبني من الفَتَى الشجاعة والإقدام، ومن الفتاة الأدبُ والحياءُ؛ لأن شجاعة الفتى مِلاكُ أخلاقه كلها، ولأن حياء الفتاة جمالها الذي لا جمال لها سواه، فأنا أُهدي هذه الرواية إلى فتيان مصر وفتياتها؛ ليستفيد كلٌّ من فريقيهما الصفة التي أحب أن أراها فيه؛ وليضعا حياتهما المستقبلة على أساس الفضيلة كما وضعها بول وفرجيني. مصطفى لطفي المنفلوطي

ترجمة المؤلف بقلم محمود خيرت

ترجمة المؤلف بقلم  محمود خيرت ١ في سنة ١٨٥٢ احتفلت حكومة الجمهورية الفرنسية بإقامة تمثالٍ من البرنز صنعه «دافيد الشهير» في أحد ميادين ثغر الهافر لرجل جليل عظيم الهيبة، تتألق ملامحه بالبشر والنور، وتفيض عيناه بالوداعة واللطف، وهو ممسكٌ بإحدى يديه قرطاسًا وبالأخرى قلمًا، وعند قَدَميْه صبيٌّ وصبية عاريان يتصافحان تحت ظل شجرةٍ من أشجار المناطق الحارة. من هما ذانك الصبيان المتصافحان؟ وما معنى تلك الشجرة التي ليست من نبات هذه البلاد؟ وما عسى أن يكون ذلك الرجل الذي كتب له الحظ أن يكون محلًّا لعناية «دافيد» واهتمام الجمهورية؟ أرادت فرنسا بأسرها أن تخلِّد ذكرى رجلٍ من أبنائها قضى حياته محبًّا للحرية واستقلال الرأي، وإن ناله بسببهما الأذى، منقبًا عن الحكمة وهو يتفانى في تمجيدها، عاشقًا للطبيعة وهو يتغنى بمحاسنها، ينسق قلمه القدير كل يومٍ للأدب إكليلًا يانعًا من أزاهير الجمال، وتسمو به نفسه الطاهرة الأبية إلى سماء الإنسانية للعمل على تخفيف ويلات البشر وآلامهم، فكان رجلًا ذكيًّا عالي الهمة، حكيمًا، كبير النفس، يعرف للطبيعة حقها وفضلها، كاتبًا فذًّا جمَّ الشعور، ملأت فراغ قلبه فيوض الرح

الفصل الأول جزيرة موريس

الفصل الأول جزيرة موريس هي إحدى الجزر الإفريقية الواقعة في المحيط الهندي على مقربة من جزيرة «مدغشقر»، وعلى مدًى غير بعيدٍ من جزائر «سيشيل»، وهي جزيرةٌ قفراء بَلْقَع إلا قليلًا من السكان السود متفرقين في جبالها وغاباتها، يستعبدهم بضعة أفرادٍ من المهاجرين الأوروبيين النازلين بينهم، ويسخرونهم في حراثة الأرض واستنباتها واستخراج معادنها واستنباط أمواهها وتقليم أشجارها، كما هو شأن المستعمرين الأوروبيين في جميع الأصقاع التي يعيشون فيها. ••• يرى المقبل على هذه الجزيرة شرقي الجبل القائم خلف عاصمتها «بورلويس» واديًا مستطيلًا، مسورًا بسورٍ طبيعي من الآكام والصخور، قد تراءت في وسطه أطلال كُوخَيْن دَارِسين لم يبقَ منهما إلا أنصاف جدرانهما، وبضعة جذوعٍ ناخرةٍ سوداء متناثرة حولهما، ويرى الأرض المحيطة بهما مختلفة الألوان، ما بين سوداء وخضراء وصفراء، مختلفة السطوح ما بين أنجاد وأغوار، وأحافير وأخاديد، ومتعرجات ومستَدَقَّاتٍ، إلى كثير من الجداول والغدران القائمة والمتداعية، كأنما يعيش فيها قبل اليوم قومٌ يتولون حرثها وزرعها وتقسيمها وتخطيطها، ثم ضربها الدهر بضرباته فرحل عنها ساكنوها أو رحلوا ع

الفصل الثاني الشيخ

الفصل الثاني الشيخ كان يَلَذ لي كثيرًا أن أختلف إلى هذا المكان الجميل صباح مساء، وأن أستريح إلى منظره الهادئ الساكن، فإني لجالسٌ ذات يومٍ على صخرةٍ من صخور العالية أقلب الطرف بين أرضه وسمائه، وأفكر في شأن هذين الكوخين الدارسين، وفيما تنطق به آياتهما من العظات والعبر، وآثارهما من الأحاديث والسير، إذ مر بي شيخٌ هرمٌ من سكان تلك الجزيرة قد نيف على السبعين من عمره، يعتمد على عصًا عجراء في يده، ويلبس سراويل واسعةً وصدارًا ريفيًا بسيطًا وقبعةً عريضة من الخوص، كشأن سكان تلك الأصقاع، وله شعرٌ أبيض مستطيلٌ مسترسلٌ على كتفيه، وقد تلألأ وجهه الأبيض النحيف الضارب إلى السمرة بذلك النور الساطع الذي يتلألأ دائمًا في وجوه الريفيين الأتقياء، نور البساطة والطهارة، والنبل والشرف. فأنست به وبمنظره الجميل الأنيق، وبدأته بالتحية، فرفع رأسه إلي متوسمًا وألقى علي نظرة هادئة مطمئنة ثم رد تحيتي ردًّا جميلًا، وكأنما شعر لي بمثل الذي شعرت له به من العطف والود، فأقبل نحوي باسمًا متهللًا، وجلس على صخرة محاذية للصخرة التي أجلس عليها، وألقى عصاه تحت قدميه ووضع قبعته بجانبه، فأقبلت عليه وقلت له: لعلك تعيش في ه

الفصل الثالث مدام دي لاتور

الفصل الثالث مدام دي لاتور في عام ١٧٢٦ قَدِم هذه الجزيرة فتًى من «نورماندي» اسمه «مسيولاتور» ليطلب رزقه في هذه الجزيرة المقفرة بعد ما أعياه طلبه في فرنسا، وعجز عن أن يجد له فيها مُعينًا حتى من أهله وذوي رحمه، وكانت تصحبه زوجته، وهي فتاةٌ نبيلةٌ، جميلة الصورة، كريمة الخلق، طيبة العُنْصُر، أحبَّها وأحبته، وأراد أن يخطبها إلى قومها فأبَوْها عليه؛ لأنه كان فقيرًا مُقلًّا، ولأنهم كانوا من المدلِّين بأنفسهم وبوفرهم وثرائهم ومكانتهم في الهيئة الاجتماعية، فلم يكن مما يهون عليهم أن يصهروا إلى رجلٍ ليس من أكفائهم ولا نظرائهم، فتزوجها سرًّا بدون مهرٍ، وهاجر بها إلى هذه الجزيرة علَّه يجد سبيلًا إلى العيش فيها، فتركها هنا وسافر إلى جزيرة «مدغشقر» ليبتاع منها طائفة من الزنوج يستعين بهم عند عودته على استصلاح بعض الأراضي المهجورة، فيقتات منها هو وزوجته، فلم يتَح له الحظ الذي أراد؛ لأنه سافر إلى «مدغشقر» في الفصل الذي يوبأ فيه مناخها ويمتلئ فيه جوها بالحميات والرياح السامة القاتلة، فلم يلبث أن اشتكى شكاةً ذهبت بحياته، وكان يحمل معه بعض الأثاث وشيئًا من المال، فتناهبته الأيدي هناك، كما هو الشأن دا

الفصل الرابع مرغريت

الفصل الرابع مرغريت كانت تعيش في هذه الأرض قبل عامٍ واحدٍ من حضور «مدام دي لاتور» امرأةٌ صالحة كريمة رقيقة الحال اسمها «مرغريت»، وفدت إليها على أثر نكبةٍ حلت بها في مسقط رأسها «بريتانيا»، وخلاصتها أن نبيلًا من النبلاء الاصطلاحيين — أي الذين اصطلح الناس على تلقيبهم بهذا اللقب — نزل بلدتها للاصطياف بها فرآها فأحبها، وكانت فتاةً غريرةً ساذجة تصدق كل ما يقال لها، فصدقت ما حدثها به عن الحب والزواج، والسعادة والرغد، كأنما خُيِّل إليها أن العظماء في أحاديثهم وعهودهم كما هم عظماء في مظاهرهم وأزيائهم، لا يخلفون إذا وعدوا، ولا ينكثون إذا عاهدوا، فاتصلت به اتصال الزوج بزوجها حينما وعدها أن يتزوج منها عند عودته إلى وطنه واستئذان أبويه. وما هي إلا أيامٌ قلائل حتى ملها واجتواها كما ملَّ الكثيرات من أمثالها من قبلها، فرحل عنها فجأةً أعظم ما كانت غبطةً به وأملًا فيه، وترك لها تحت وسادتها شيئًا من المال خيل إليه أنه الثمن الذي يقوم لها بوفاء ما بذلت من عرضها وشرفها، فجن جنونها وهرعت إلى فُرضة البحر التي علمت أنه سيسافر منها، فلم تر من سفينته الماخرة على سطح الدأماء إلا ما يرى الرائي من أعقاب ال

الفصل الخامس الحياة الطبيعية

الفصل الخامس الحياة الطبيعية نهضت هيلين من نفاسها بارئةً نشطةً، فأخذت هي وصديقتها مرغريت تعملان في أرضهما بمعونة الزنجي «دومينج»، وهو رجلٌ كهلٌ قد نيف على الخمسين من عمره، إلا أنه كان فَتِيَّ الهمة والعزيمة، واسع الخبرة في شئون الزراعة الجبلية وأساليبها، فكان يغرس في كل أرض ما يناسبها من البذور والأغراس، ولا يفرق في ذلك بين القسمين ولا يمنح أحدهما من اهتمامه وعنايته أكثر مما يمنح الآخر، فزرع الذرة في التربة المتوسطة، والحنطة في الأرض الجيدة، والأرز في التربة السَّبِخَة، والقرع والقثاء وما أشبههما من النبات المتسلق حول الصخور وفوق رءوس الهضاب، وزرع البطاطا في التربة الجافة اليابسة، وشجيرات القطن في الربوات العالية، وقصب السكر في الأرض القوية المتينة، وغرس على ضفة النهر حول الكوخين أشجار الموز ذات الأوراق العريضة والأَفْيَاء الظليلة، ولم يفُته أن يزرع لنفسه بضع شجيراتٍ من التبغ يُروِّح بتدخينها عن نفسه هموم دهره وآلامه. وكان يذهب فوق ذلك إلى الغابات البعيدة والأحراش النائية لاحتطاب الحطب واجتلاب أخشاب الوقود، ويقضي جزءًا عظيمًا من يومه في تمهيد الأرض وتذليلها، وتكسير الصخور ورصف

الفصل السادس حياة الطفولة

الفصل السادس حياة الطفولة ولم أر فيما رأيت من عجائب الأشياء وغرائبها أغرب من تلك الصلة التي كانت بين هذين الساذجين الطاهرين، ولا أعجب من ذلك الامتزاج الذي كان بين روحيهما، فإذا شكا بول شكت فرجيني لشَكَاته، وإذا بكى لا يخفض عبرته ولا يُسرِّي حزنه إلا رؤيتها باسمةً بين يديه، وكثيرًا ما كانت تتألم بينها وبين نفسها لبعض الشئون فلا يدل على ألمها وحزنها إلا بكاؤه ونشيجه، فكانت إذا أَلمَّ بها ألمٌ طوت عليه ضلوعها، وكاتمته نفسها، ضنًّا به أن تراه باكيًا أو متألمًا. وما جئت هنا مرةً في شأنٍ من الشئون إلا رأيتهما معًا يحبوان، أو يدرجان، أو يتداعبان، أو يتماسكان، أو يستبقان إلى غاية، أو يتخاطفان لعبةً، فلم يكن شيءٌ من الأشياء بقادرٍ على أن يفرق بينهما حتى ظلام الليل ووحشته، فقد كان لهما مهدٌ واحدٌ ينامان فيه معًا عاريين كعادة الأطفال في هذه الجزيرة، وقد تلازما وتآخذا وتوسد كلٌّ منهما ذراع صاحبه كأنما يخشيان أن يفرق بينهما حادثٌ من حوادث الدهر. وكان أول ما نطقا به من الكلمات كلمتا الأخ والأخت، وهي كلمة جميلةٌ جدًّا، ما خلق الله في الكلم أجمل ولا أحلى ولا أشرف معنًى ولا أطرب نغمةً منها، و

الفصل السابع العزاء

الفصل السابع العزاء عادت هيلين إلى المزرعة ونفسها تسيل لوعةً وأسًى، فما بلغت كوخها حتى ألقت بالكتاب على المنضدة وتهافتت على سريرها باكيةً منتحبةً، فهرعت إليها صديقتها تسألها ما شأنها، فأشارت إلى الكتاب وقالت ها هي ذي خلاصة حياتي من أولها إلى آخرها. ولم تكن مرغريت تحسن القراءة فأتتها بالكتاب فأنشأت تقرؤه عليها وفؤادها يتمزق لوعةً وأسًى، فقاطعتها مرغريت وأقبلت عليها تقول لها: متى تخلى الله عنا يا هيلين فنلجأ إلى الناس في شئوننا، ونعتمد عليهم في رزقنا، ونحن أغنياء عنهم بما هيأ الله لنا من القوت في هذه الجنة الصغيرة التي نعيش فيها، فما فينا من يشكو جوعًا أو عطشًا، ولا من يمشي عاريًا أو حافيًا، ولا من يبيت مغتمًّا أو محزونًا، فروِّحي عن نفسك، فالله أرحم بك وبنا من الأقارب والأصدقاء، ثم عجزت عن امتلاك نفسها ومتابعة حديثها، فاختنق صوتها بالبكاء فتهافتت هيلين على عنقها وضمتها إلى نفسها وظلت تقول لها: آه يا صديقتي! آه يا صديقتي! وكانت فرجيني واقفةً بجانبهما، فأثَّر في نفسها هذا المنظر المحزن، فاستعبرت باكيةً، وظلت تتناول يد أمها مرةً ويد مرغريت أخرى فتقبلهما وتبللهما بدموعها، وتقول لهما

الفصل الثامن الاستعمار الأوروبي

الفصل الثامن الاستعمار الأوروبي مضت على ذلك أيامٌ والولدان ينموان في جوهما نمو النبات المحيط بهما، وينمو معهما طيب أخلاقهما وحسن سجاياهما، فبينا فرجيني جالسة في الكوخ ذات يومٍ تهيئ طعام الإفطار لأسرتها كعادتها، والشمس لا تزال في خدرها، وأمَّاها قد ذهبتا مع دومينج لأداء صلاة الأحد في كنيسة «بمبلموس» وبول في الحديقة يشذِّب بعض أشجارها، وماري وراء الكوخ تشتغل ببعض شئونها، إذ دخلت عليها زنجيةٌ مسكينةٌ آبقة كأنها الهيكل العظمي نحولًا وهزالًا، ليس عليها من الثياب إلا خرقةٌ باليةٌ تدور بِحَقْوَيْها فجثت على ركبتيها بين يديها باكيةً منتحبةً وأنشأت تقول لها: الرحمة يا سيدتي فإني أكاد أموت جوعًا، وقد مر بي يومان وأنا أجوب هذه الأحراش والغابات أتوارى مرة وأظهر أخرى، وأقتات كل ما هو فوق التراب؛ مخافة أن تقع عليَّ عيون بعض الفضوليين من الصيادين فيعيدوني إلى سيدي، والموت أهون علي من أن أعود إليه، فهو رجلٌ قاسٍ غليظٌ لا يزال يجلدني ويمزق لحمي بسوطه كلما بدا له أن يفعل ذلك. ثم كشفت ثوبها عن جسمها وأشارت إلى مواضع الضرب منه فإذا خطوطٌ حمراء ملتهبة لا يستطيع نظر الناظر أن يثبت أمامها لحظةً واحدة