المشاركات

عرض المشاركات من نوفمبر, ٢٠١٦

حول الكتاب - الأنسان في القران - عباس محمود العقاد

صورة
حول الكتاب - الأنسان في القران - عباس محمود العقاد يحاول العقاد أن يقترب من معرفة الإنسان ومكانه من الكون وبين أبناء نوعه من البشر، ويرى أن أسئلةً كتلك لن يجيب عنها إلا عقيدة دينية تثق في عقل الإنسان، وتدعوه للتفكُّر في نفسه؛ فيلجأ لآيات القرآن ليستنبط منها ماهية الإنسان كمخلوق عاقل مُكلَّف، من روح وجسد، يُسأل فقط عن أعماله، وذلك بعد أن بَلغَته الرسالة الإلهية التي بُعث بها الرُّسل مُعلِّمين، فكانت مسئولياته هي الأمانة التي حملها، ثم يُعرِّج بنا العقاد إلى رؤية العلم والفكر للإنسان؛ ليبين ماذا قال أصحاب مذهب التطور في نشأة الإنسان، وكيف أثر ظهور مذهبهم هذا في الغرب، كما يُسلِّط الضوء على رؤية علم النفس والأخلاق للإنسان، بحيث يشمل كتابه النظرة الروحية والعلمية البحتة في سبيل سعيه للإجابة عن السؤال الخالد: «مَن أنا؟» . عن المؤلف عباس العقاد: أديبٌ كبير، وشاعر، وفيلسوف، وسياسي، ومؤرخ، وصحفي، وراهبُ محرابِ الأدب. ذاع صِيتُه فملأ الدنيا بأدبه، ومثَّلَ حالةً فريدةً في الأدب العربي الحديث، ووصل فيه إلى مرتبةٍ فريدة. وُلِد «عباس محمود العقاد» بمحافظة أسوان عام ١٨٨٩م، وكان والد

فهرس الكتاب - الإنسان في القرآن

صورة
فهرس الكتاب - الإنسان في القرآن تمهيد‏ الكتاب الأول: الإنسان في القُرآن‏ المَخْلُوق المسْئُول‏ الكائن المُكَلَّف‏ رُوحٌ وجَسَد‏ النَّفْس‏ الأمانة‏ التَّكليف والحُرِّيَّة‏ أُسْرَةٌ وَاحِدَةٌ‏ آدَم‏ الكتاب الثاني: الإنسان في مَذاهب العِلْم والفكر‏ عُمر الإنْسَان‏ الإنسان ومَذهَب التَّطوُّر‏ التَّطوُّر قَبْلَ مَذْهَب التطوُّر‏ أَثر مَذهَب النشُوء في الغَرْب‏ مَذهَب التَّطوُّر في الشَّرق العَرَبي‏ الدِّين وَمذْهَب دَارون‏ سِلْسِلَة الخَلْق العُظْمى‏ الإنْسَان في عِلم الحَيوان وفي عُلُوم الأجْنَاس البَشَرِيَّة‏ الإنْسَان في عُلُوم النَّفْس والأخلاق‏ مُسْتَقبل الإنْسَان في عُلُوم الأَحيَاء‏ عَودٌ على بَدْءٍ‏ تأليف  عباس محمود العقاد 

تمهيد

تمهيد إنسان القرآن هو إنسان القرن العشرين، ولعل مكانه في هذا القرن أوفق وأوثق من أمكنته في كثير من القرون الماضية؛ لأن القرون الماضية لم تُلجئ الإنسان إلى البحث عن مكانه في الوجود كله، وعن مكانه بين الخلائق الحية على هذه الأرض، وبين أبناء نوعه وأبناء الجماعة التي يعيش فيها من ذلك النوع، وبين كل نسبة ظاهرة أو خفية ينتمي إليها، كما ألجأه إلى ذلك كله هذا القرن العشرون. قديمًا كان الحكماء يجعلون شعارهم في نصيحة الإنسان: «اعرف نفسك!» وإنها لنصيحة قد ترادف سؤالهم: مَن أنت؟ أو سؤالهم: ما اسمك؟ غير أن الإنسان إذا أجابه فإنما يجيبه باسم «باطني» يعرفه بملامح وجدانه، وقسمات ضميره، ولا يقف عند تعريفه بالاسم الذي يختار اعتسافًا من بضعة حروف. وهو على أية حال سؤال إلى «شخص» بعد شخص، قد يسمعه عشرون في الحجرة الواحدة ويجيبون عليه عشرين جوابًا متفرقات. وقديمًا كانوا يزعمون أن أبا الهول كان يلقي سؤاله، فيهلك من لم يعرف جوابه. وكان سؤالًا عن الحيوان الذي يمشي على أربع في الصباح، وعلى اثنتين عند الظهيرة، وعلى ثلاث عند المساء، فكان سؤالهم لغزًا من ألغاز الأقدمين عن الإنسان في أطوار عمره، بين الطفل

المَخْلُوق المسْئُول

المَخْلُوق المسْئُول ارتفع القرآن بالدين من عقائد الكهانة والوساطة وألغاز المحاريب إلى عقائد الرشد والهداية. لا جرم كان «المخلوق المسئول» صفوة جميع الصفات التي ذكرها القرآن عن الإنسان، إما خاصة بالتكليف أو عامة في معارض الحمد والذم من طباعه وفعاله. ولقد ذُكِرَ الإنسان في القرآن بغاية الحمد وغاية الذم في الآيات المتعددة، وفي الآية الواحدة، فلا يعني ذلك أنه يُحمد ويُذم في آنٍ واحدٍ، وإنما معناه أنه أهل للكمال والنقص بما فُطر عليه من استعداد لكل منهما؛ فهو أهل للخير والشر؛ لأنه أهل للتكاليف. والإنسان مسئول عن عمله — فردًا وجماعة — لا يؤخذ واحد بوزر واحد، ولا أُمَّة بوزر أُمَّة: كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (الطور: ٢١). تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (البقرة: ١٣٤). ••• أما مناط المسئولية في القرآن، فهو جامع لكل ركن من أركانها يتغلغل إليه فقه الباحثين عن حكمة التشريع الديني، أو التشريع في الموضوع. فهي بنصوص الكتاب قائمة على أركانها المجملة: تبليغ، وعلم، وعمل؛ فلا تحق التبعة على أحد ل

الكائن المُكَلَّف

الكائن المُكَلَّف القرآن كتاب تبليغ وإقناع وتبيين، وقوام هذه الفضيلة فيه هذا التوافق التام بين أركانه وأحكامه، وبين عقائده وعباداته، وبين حجته ومقصده، فكل ركن من أركانه يتنزل فيه بأقداره، ويوافق في تفصيله سائر أركانه التي تتم به، أو يتم بها على قدر مبين. ليس أتم ولا أعجب من التوافق بين تمييز الإنسان بالتكليف، وبين خطاب العقل في هذا الكتاب المبين بكل وصف من أوصاف العقل، وكل وظيفة من وظائفه في الحياة الإنسانية. وخليق بالمسلم، وبكل دارسٍ للأديان أن يتنبه إلى هذه الفضيلة التي تحسب لأول وهلة كأنها شيء من الواقع البديهي لا يحتاج إلى التنبيه، ولكن حاجته إلى التنبيه إنما تظهر عند المقارنة بين القرآن وبين جملة من الكتب الدينية الكبرى، في فضيلة التبليغ المقصود، ونعني به التبليغ الذي يراد ويتناسب فيه البيان على حسب الأحكام والأركان. في كثير من الأديان تقوم عليها دعائم الدين كله، ويرتبط بها نجاة الإنسان من الهلاك أو ضياعه في هاوية المقت واللعنة، ثم تبحث عن هذه الأركان في كتاب الدين فإذا هي معروضة فيه بين السطور، يحيلها المفسرون إلى حكم القرينة، ويجوز لمن شاء أن يحسبها من مصادفات القول يتس

رُوحٌ وجَسَد

رُوحٌ وجَسَد عقيدة الروح إحدى العقائد الغيبية في القرآن، والعقائد الغيبية أساس عميق من أسس التدين تقوم عليه كل ديانة يطمئن إليها ضمير الإنسان، ولكن الفضيلة الأولى في عقائد القرآن الغيبية أنها لا تُعطل عقول المؤمنين بها، ولا تُبطل التكليف بخطاب العقل المسئول وهو يؤدي حق التمييز، وحق الإيمان والإسلام؛ إسلام الأمر كله إلى الخالق المعبود. وعقيدة الروح إحدى العقائد «الغيبية» التي نلمس فيها هذه الفضيلة كأنها من حقائق الحس، وإن وجب على العقل الإنساني أن يؤمن بعلمه القليل فيها، وأن يُسلِّم تسليم الإيمان بأنها من علم الله. ذلك بأن الإيمان بالروح لم يفرض على العقل البشري في القرآن الكريم نقيضة من النقائض التي تشطره بين ضدين متدابرين، ولم يفصم النفس البشرية بفاصم من الحيرة بين الخلقتين: خلقة الإنسان روحًا مجهول القوام، وجسدًا معروف المطالب والغايات، محسوس اللذات والآلام. فالروح والجسد في القرآن الكريم ملاك الذات الإنسانية، تتم بهما الحياة، ولا تنكر أحدهما في سبيل الآخر، فلا يجوز للمؤمن بالكتاب أن يبخس للجسد حقًّا ليوفي حقوق الروح، ولا يجوز له أن يبخس للروح حقًّا ليوفي حقوق الجسد، ولا يُح

النَّفْس

النَّفْس تكلَّم حكماء اليونان عن العقل والروح والنفس بمعانيها التي تُنسب إلى الكون. وتكلموا عن العقل والروح والنفس بمعانيها التي تُنسب إلى الإنسان، ورتبوها على حسب صفائها وعلو جوهرها، فكان العقل عندهم أولها وأشرفها؛ لأن جوهر العقل المطلق هو الله جلَّ شأنه، والعقل الإلهي هو العقل الفعَّال  Poietikos المُنزَّه عن المادة والهيولي، وعنه يصدر العقل الإنساني أو العقل المنفعل  Pothetikos ، ثم يأتي الروح والنفس بعد ذلك في الصفاء والشرف. فعندهم أن الروح أقرب إلى عنصر النور، وأن النفس أقرب إلى عنصر الهواء والتراب، ويقول أتباع أفلوطين: إن العقل الإلهي فيض منعم صدر عنه «النفس»، ومنه صدر ما دونها من الموجودات على ترتيب شرفها وصفائها، وهم يذكرون النفس بصيغة المذكر، ويتابعهم في ذلك من كتبوا بالعربية وتابعوهم في مذاهبهم الصوفية. والروح أرفع من النفس في درجات الوجود ودرجات الحياة عند أكثر حكماء اليونان، فمنهم من ينسب النفس إلى الكائنات العضوية جميعًا، ومنها كل نبات ينمو ويلد ويوصف ببعض صفات الأحياء، فمعنى النفس عندهم على هذه الصفة مرادف لمعنى «الحركة الحيوية»، أو معنى القوة التي تجعل أعضاء ال

الأمانة

الأمانة وردت كلمة الأمانة والأمانات في خمسة مواضع من القرآن الكريم، وكلها بالمعنى الذي يفيد التبعة والعهد والمسئولية، وخصصت هذا المعنى في آية من «سورة البقرة» بوديعة المال وما إليه؛ إذ قال تعالى في سياق وثائق الديون: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ ۚ إلى قوله تعالى: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ (البقرة: ٢٨٢–٢٨٣). ففي هذه الآية خصصت الأمانة بما يؤتمن عليه المرء من الودائع والديون، ولكننا لا نخرج من الآية بغير التذكير المؤكد بمعنى الأمانة العامة، وهي الحق والفريضة، ومنها حق العلم وفريضته، فلا يجوز لمن علم علمًا أن ينسى حقه: وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ (البقرة: ٢٨٢). وكل ما ورد في غير سياق الديون والودائع فالحكم فيه عام وإن ورد على سبب خاص؛ لأن مناسبات النزول لا تمنع سريان الحكم والتبليغ إلى جميع المخاطبين بآيات الكتاب،

التَّكليف والحُرِّيَّة

التَّكليف والحُرِّيَّة من شروط التكليف طاعة وحرية. وهذه بديهية يغفل عنها كثير من المجادلين في قضية القدر، وفي قضية الإيمان، وفي قضية التكليف والجزاء، فيقصرون النظر على شرط الحرية، ويهملون شرط الطاعة كأنه مناقض للجزاء، وكأنه من اللازم عقلًا أن يكون الجزاء مقرونًا بالحرية المطلقة، وهي في ذاتها استحالة عقلية بكل احتمال يخطر على البال في فهم خلق الإنسان؛ فمن بحث عن الإيمان بالتكليف غير ناظر إلى شرط «الطاعة»، فلا جرم يضل عنه ولا ينتهي فيه إلى قرار؛ لأنه يبحث عن شيء آخر ولا يبحث عن التكليف ولا عن الإيمان. في القرآن خطاب متكرر إلى العقل، وبيان متكرر لحساب الإنسان العاقل على الخير والشر، مع إسناد الإرادة إليه في استحقاقه للثواب والعقاب. وفيه آيات صريحة تسند الإرادة إلى الله، وتقرر أنه — سبحانه وتعالى — هو الخالق المقدر الذي يقدر الهداية والضلال، ويعطي كل شيء خلقه ويهديه، وهي آيات كثيرة مقصودة بالتكرار، وإن لم تبلغ في الكثرة عدد آيات الخطاب والتكليف، وآيات التذكير بالعقل والنظر والتمييز والتفكير. فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ۗ وَالل

أُسْرَةٌ وَاحِدَةٌ

أُسْرَةٌ وَاحِدَةٌ خُيِّل إلى علماء القرن السابع عشر من الغربيين أنهم مطالبون بتغيير كتاب العلم من الألف إلى الياء، وأن تعريف شيء من الأشياء بأنه من عقائد القرون الوسطى كافٍ لرفضه ولإعادة بحثه، ثم إعادته إلى الاصطلاح بمدلول جديد. وأول هذه التعريفات المتبدلة تعريف الإنسان حسب موضعه من هذا العالم؛ لأن الإنسان لم يزل في كل عصر، وفي كل علم، وفي كل عقيدة مقياسًا لما عداه من خلائق هذا العالم، بل مقياسًا للعالم أجمع، يتبدل النظر إليه كلما تبدل النظر إلى الوجود بأسره. ولم يتبدل النظر إلى مركز الكرة الأرضية من الأجرام السماوية، حتى خُيِّل إلى كثير من الفلكيين والجغرافيين أن حقائق السماوات والأرضين قد تغيرت؛ لأن الكرة الأرضية مركز الإنسان. وقد أعيد النظر إلى مكان الإنسان من الخليقة كلها، فوضعه علماء الحيوان بموضع واحد مع طبقة الأحياء التي عرَّفوها باسم الأوائل Primates وهي في الذروة من طبقات الحيوان اللبون. وأعيد «تصنيف» هذا النوع الحيواني، فذهب بعضهم بعيدًا في تقسيمه إلى عناصر، وإلى الرجوع بكل عنصر منها إلى نوع من القردة الأوائل، كما سيجيء في الكلام على آراء النشوئيين القائلين بالتط