الفصل الخامس عشر


الفصل الخامس عشر
زِيَارَةٌ أَخِيرًا


لِلْأَسَفِ، مَنَعَ ضَعْفُ الصِّحَّةِ كلارا مِنَ الْقِيَّامِ بِالرِّحْلَةِ إِلَى الْجَبَلِ. وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ إِحْبَاطِهَا، حَاوَلَتْ أَنْ تَقُومَ بِثَانِي أَفْضَلِ شَيْءٍ. فَاتَّفَقَتْ هِيَ وَوَالِدُهَا عَلَى أَنَّ إِرْسَالَ الطَّبِيبِ فِي إِجَازَةٍ صَغِيرَةٍ لَنْ يُفِيدَ هايدي فَحَسْبُ وَلَكِنْ سَيُفِيدُ الطَّبِيبَ الْكَبِيرَ أَيْضًا. كَانَتْ زَوْجَةُ الرَّجُلِ الْمِسْكِينِ قَدْ تُوُفِّيَتْ مُنْذُ فَتْرَةٍ، كَمَا تُوُفِّيَتِ ابْنَتُهُ مُؤَخَّرًا أَيْضًا. وَبِبَسَاطَةٍ لَمْ يَعُدِ الطَّبِيبُ هُوَ الشَّخْصُ نَفْسُهُ مُنْذُ ذَلِك الْحِينِ.

عِنْدَمَا سَأَلَ السَّيِّدُ سيسمان الطَّبِيبَ إِذَا كَانَ يُمْكِنُهُ الذَّهَابُ إِلَى الْجِبَالِ، قَالَ الطَّبِيبُ إِنَّهُ سَيَكُونُ شَرَفًا لَهُ. سَيَأْخُذُ كُلَّ الْأَشْيَاءِ الرَّائِعَةِ الَّتِي حَزَمَتْهَا كلارا إِلَى أَصْدِقَائِهَا وَسَيَحْرِصُ عَلَى أَنْ تَصِلَ إِلَى الْجَمِيعِ سَالِمَةً. كَانَتْ كلارا قَدِ اخْتَارَتْ هَدَايَا لِلْجَدَّةِ وَلِلْجَدِّ وَحَتَّى لِبيتر.

فِي هَذِهِ الْأَثْنَاءِ فِي مَنْزِلِ هايدي، كَانَتِ الْفَتَاةُ الصَّغِيرَةُ تَسْتَيْقِظُ مُبَكِّرَةً كُلَّ صَبَاحٍ. وَتَرْتَدِي مَلَابِسَهَا بِأَسْرَعِ مَا يُمْكِنُ ثُمَّ تُسْرِعُ إِلَى الْخَارِجِ لِتَنْتَظِرَ. كَانَتْ تَنْظُرُ إِلَى أَبْعَدِ مَا يُمْكِنُهَا فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ. كَانَ هَذَا هُوَ رُوتِينُهَا كُلَّ صَبَاحٍ لِمُدَّةِ أُسْبُوعٍ الْآنَ. كَانَتْ تَنْتَظِرُ وُصُولَ كلارا وَالْجَدَّةِ فِي أَيِّ يَوْمٍ وَكَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَعِدَّةً عِنْدَمَا تَصِلَانِ.

وَلَكِنْ عِوَضًا عَنْ كلارا سَمِعَتْ صَفِيرَ بيتر، وَسَأَلَهَا: «هَلْ يُمْكِنُكِ الْمَجِيءُ مَعِي لِلْخَارِجِ الْيَوْمَ؟»

أَخْبَرَتْ هايدي صَدِيقَهَا أَنَّهَا لَنْ تَسْتَطِيعَ، فَقَدْ كَانَتْ تَنْتَظِرُ ضُيُوفًا. فَأَصَابَ بيتر الْإِحْبَاطُ، وَلَكِنَّ هَذَا الصَّبَاحَ كَانَ الِانْتِظَارُ يَسْتَحِقُّ.

صَاحَتْ هايدي: «جَدِّي! جَدِّي! تَعَالَ، تَعَالَ! إِنَّهُمْ قَادِمُونَ! إِنَّهُمْ قَادِمُونَ وَالطَّبِيبُ أَمَامَهُمْ!»

انْدَفَعَتْ هايدي إِلَى الْأَمَامِ لِتَحِيَّةِ صَدِيقِهَا الْقَدِيمِ. مَدَّ الطَّبِيبُ يَدَيْهِ لِتَحِيَّتِهَا، وَعِنْدَمَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ، تَعَلَّقَتْ بِذِرَاعَيْهِ الْمَمْدُودَتَيْنِ. كَانَتِ الْفَرْحَةُ تَمْلَأُ قَلْبَهَا وَهِيَ تَقُولُ: «صَبَاحُ الْخَيْرِ يَا دكتور، وَشُكْرًا جَزِيلًا لَكَ.»

سَأَلَ الطَّبِيبُ مُبْتَسِمًا: «فَلْيُبَارِكْكِ اللهُ يَا صَغِيرَةُ! عَلَامَ تَشْكُرِينَنِي؟»

وَضَّحَتِ الطِّفْلَةُ: «لِإِرْسَالِي إِلَى الْمَنْزِلِ لِجَدِّي.»

أَشْرَقَ وَجْهُ الطَّبِيبِ وَكَأَنَّمَا تَخَلَّلَهُ شُعَاعٌ مِنَ الشَّمْسِ. لَقَدْ ظَنَّ أَنَّ الطِّفْلَةَ الصَّغِيرَةَ سَتَكُونُ قَدْ نَسِيَتْهُ بِمُرُورِ هَذَا الْوَقْتِ. وَلَكِنْ عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ كَانَتْ عَيْنَاهَا تَرْقُصَانِ مِنَ الْفَرْحَةِ. وَكَانَتْ مُمْتَنَّةً أَيَّمَا امْتِنَانٍ وَمُتَعَلِّقَةً بِذِرَاعِ صَدِيقِهَا الْقَدِيمِ.

قَالَ الرَّجُلُ الْكَبِيرُ: «خُذِينِي إِلَى جَدِّكِ يَا صَغِيرَةُ.»

– «وَلَكِنْ أَيْنَ كلارا وَجَدَّتِي؟»

– «أَنَا آسِفٌ جِدًّا يَا هايدي، وَلَكِنِّي أَتَيْتُ وَحْدِي. كلارا كَانَتْ مَرِيضَةً جِدًّا وَلَمْ تَتَمَكَّنْ مِنَ السَّفَرِ، وَبَقِيَتِ الْجَدَّةُ مَعَهَا لِتَرْعَاهَا. وَلَكِنَّهُمَا سَتَأْتِيَانِ فِي الرَّبِيعِ الْقَادِمِ عِنْدَمَا يَكُونُ النَّهَارُ دَافِئًا وَطَوِيلًا مُجَدَّدًا.»

وَقَفَتْ هايدي سَاكِنَةً لِثَانِيَةٍ، لِتَسْمَحَ لِعَقْلِهَا بِاسْتِيعَابِ تِلْكَ الْأَنْبَاءِ الْحَزِينَةِ. ثُمَّ قَالَتْ: «تَعَالَ مَعِي يَا دكتور، لِنَجِدَ جَدِّي.»

أَصْبَحَ الرَّجُلَانِ أَصْدِقَاءَ عَلَى الْفَوْرِ. كَانَا يَتَشَارَكَانِ الْيَوْمَ عَلَى الْجَبَلِ، يُخَطِّطَانِ لِعُطْلَةِ الطَّبِيبِ فِي الْأَسَابِيعِ الْعَدِيدَةِ الْقَادِمَةِ. وَبَيْنَمَا كَانَا يَجْلِسَانِ لِلْغَدَاءِ الْمُكَوَّنِ مِنَ الْحَلِيبِ وَالْجُبْنِ الْمُحَمَّصِ، رَأَيَا رَجُلًا آتِيًا مِنَ الطَّرِيقِ حَامِلًا لَفَّةً كَبِيرَةً عَلَى ظَهْرِهِ.

قَالَ الطَّبِيبُ وَهُوَ يَبْتَسِمُ لِهايدي: «آه، هَا قَدْ جَاءَ الطَّرْدُ الَّذِي أَرْسَلَتْهُ كلارا.»

لَمَعَتْ عَيْنَا الْفَتَاةِ.

قَالَ الطَّبِيبُ: «افْتَحِي كُنُوزَكِ يَا هايدي.» وَدَفَعَ الطَّرْدَ نَحْوَهَا.

وَاحِدَةً تِلْوَ الْأُخْرَى أَخْرَجَتْ هايدي الْأَشْيَاءَ الَّتِي حَزَمَتْهَا كلارا بِحِرْصٍ. كَعْكٌ وَشَالٌ لِلْجَدَّةِ، وَبَعْضُ الْأَدَوَاتِ الْجَدِيدَةِ لِلْجَدِّ، وَنَقَانِقُ لِبيتر، وَمَلَابِسُ لَهَا. الشَّيْءُ الْوَحِيدُ الَّذِي أَسْعَدَ هايدي أَكْثَرَ مِنَ الْهَدَايَا كَانَ رُؤْيَةُ السَّعَادَةِ عَلَى وَجْهِ الطِّبِيبِ. كَانَ حَقًّا مُسْتَمْتِعًا بِرُؤْيَةِ هايدي بِصِحَّةٍ جَيِّدَةٍ وَسَعِيدَةً مُجَدَّدًا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مجنون ليلى - الفصل الثالث

(٩٧) بيتهوفن , لحن الموت , النهاية

كتاب الدعوات