فصل - ذكر ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى وعبيد الله بن جحش وعثمان بن الحويرث وزيد بن عمرو بن نفيل


فصل - ذكر ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى وعبيد الله بن جحش وعثمان بن الحويرث وزيد بن عمرو بن نفيل 


- تشككهم في الوثنية 

@ قال ابن إسحاق : واجتمعت قريش يوما في عيد لهم عند صنم من أصنامهم ، كانوا يعظمونه وينحرون له ، ويعكفون عنده ، ويديرون به ، وكان ذلك عيدا لهم في كل سنة يوما ، فخلص منهم أربعة نفر نجيا ، ثم قال بعضهم لبعض : تصادقوا وَلْيَكْتُم بعضكم على بعض ؛ قالوا : أجل . وهم : ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى بن قصي بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي ؛ وعبيد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة ، وكانت أمه أميمة بنت عبدالمطلب ، وعثمان بن الحويرث بن أسد بن عبدالعزى بن قصي ؛ وزيد بن (2/ 51) عمرو بن نفيل بن عبدالعزى بن عبدالله بن قرط بن رياح بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي ؛ فقال بعضهم لبعض : تعلموا والله ما قومكم على شيء ! لقد أخطئوا دين أبيهم إبراهيم ! ما حجر نُطيف به ، لا يسمع ولا يبصر ، ولا يضر ولا ينفع ، يا قوم التمسوا لأنفسكم دينا ، فإنكم والله ما أنتم على شيء . فتفرقوا في البلدان يلتسمون الحنيفية ، دين إبراهيم . 

- تنصر ورقة وابن جحش 

@ فأما ورقة بن نوفل فاستحكم في النصرانية ، واتبع الكتب من أهلها ، حتى علم علما من أهل الكتاب . 

وأما عبيد الله بن جحش ، فأقام على ما هو عليه من الالتباس حتى أسلم ، ثم هاجر مع المسلمين إلى الحبشة ، ومعه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان مسلمة ؛ فلما قدمها تنصر ، وفارق الإسلام ، حتى هلك هنالك نصرانيا . 

- ابن جحش يغري مهاجري الحبشة على التنصر 

@ قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، قال : كان عبيد الله (2/ 52) بن جحش حين تنصر يمر بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم هنالك من أرض الحبشة ، فيقول : فقَّحْنا وصأصأتم ، أي أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر ، ولم تبصروا بعد . وذلك أن ولد الكلب إذا أراد أن يفتح عينيه لينظر ، صأصأ لينظر . وقوله : فقح : فتح عينيه . 

- رسول الله صلى الله عليه وسلم يخلف على زوجة ابن جحش بعد وفاته 

@ قال ابن إسحاق : وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب . 

قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن علي بن حسين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث فيها إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمري ، فخطبها عليه النجاشي ، فزوجه إياها ، وأصدقها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة دينار . 

فقال محمد بن علي : ما نرى عبدالملك بن مروان وقف صداق النساء على أربعمائة دينار إلا عن ذلك . وكان الذي أملكها النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن سعيد بن العاص . 

- تنصر ابن الحويرث ، وقدومه على قيصر 

@ قال ابن إسحاق : وأما عثمان بن الحويرث فقدم على قيصر ملك الروم ، فتنصَّر وحسنت منزلته عنده . (2/ 53) 

قال ابن هشام : ولعثمان بن الحويرث عند قيصر حديث ، منعني من ذكره ما ذكرت في حديث حرب الفجار . 

- زيد بن عمرو يتوقف عن جميع الأديان 

@ قال ابن إسحاق : وأما زيد بن عمرو بن نفيل فوقف فلم يدخل في يهودية ولا نصرانية ، وفارق دين قومه ، فاعتزل الأوثان والميتة والدم والذبائح التي تذبح على الأوثان (2/ 54) ونهى عن قتل الموءودة ، وقال : أعبد رب إبراهيم ؛ وبادى قومه بعيب ما هم عليه . 

قال ابن إسحاق : وحدثني هشام بن عروة عن أبيه ، عن أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ، قالت : لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل شيخا كبيرا مسندا ظهره إلى الكعبة ، وهو يقول : يا معشر قريش ، والذي نفس زيد بن عمرو بيده ، ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري ، ثم يقول : اللهم لو أني أعلم أي الوجوه أحب إليك عبدتك به ، ولكني لا أعلمه ، ثم يسجد على راحلته . (2/ 55) 

قال ابن إسحاق : وحدثت أن ابنه ، سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، وعمر بن الخطاب ، وهو ابن عمه ، قالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أتستغفر لزيد بن عمرو ؟ قال : نعم ، فإنه يُبعث أمة وحده . 

- شعر زيد في فراق الوثنية 

@ وقال زيد بن عمرو بن نفيل في فراق دين قومه ، وما كان لقي منهم في ذلك : 

أربا واحدا أم ألف رب * أدين إذا تُقسمت الأمورُ 

عزلت اللات والعزى جميعا * كذلك يفعل الجلد الصبور 

فلا العزى أدين ولا ابنتيها * ولا صنمَيْ بن عمرو أزور 

ولا هبلا أدين وكان ربا * لنا في الدهر إذ حلمي يسير 

عجبت وفي الليالي مُعجبات * وفي الأيام يعرفها البصير 

بأن الله قد أفنى رجالا * كثيرا كان شأنهم الفجور 

وأبقى آخرين ببر قوم * فيربِل منهم الطفل الصغير (2/ 56) 

وبينا المرء يفتر ثاب يوما * كما يتروّح الغصن المطير 

ولكن أعبدالرحمن ربي * ليغفر ذنبي الرب الغفور 

فتقوى الله ربكم احفظوها * متى ما تحفظوها لا تبوروا 

ترى الأبرار دارهمُ جنان * وللكفار حامية سعير 



وخزي في الحياة وإن يموتوا * يلاقوا ما تضيق به الصدور 

وقال زيد بن عمرو بن نفيل أيضا - قال ابن هشام : هي لأمية بن أبي الصلت في قصيدة له ، إلا البيتين الأولين والبيت الخامس وآخرها بيتا . وعجز البيت الأول عن غير ابن إسحاق - : 

إلى الله أهدي مدحتي وثنائيا * وقولا رصينا لا يـَني الدهر باقيا 

إلى الملك الأعلى الذي ليس فوقه * إله ولا رب يكون مدانيا 

ألا أيها الإنسان إياك والردى * فإنك لا تخفي من الله خافيا 

وإياك لا تجعل مع الله غيره * فإن سبيل الرشد أصبح باديا 

حنانيك إن الحن كانت رجاءهم * وأنت إلهي ربنا ورجائيا 

رضيت بك اللهم ربَّا فلن أرى * أدين إلها غيرك الله ثانيا (2/ 57) 

أدين لرب يُستجاب و لا أرى* أدين لمن لم يسمع الدهر داعيا 

وأنت الذي من فضل منّ ورحمة * بعثت إلى موسى رسولا مناديا 

فقلت له يا اذهب وهارون فادعوا * إلى الله فرعون الذي كان طاغيا 

وقولا له : أأنت سويت هذه * بلا وتد حتى اطمأنت كما هيا 

وقولا له : أأنت رفعت هذه * بلا عمد أرفقْ إذا بك بانيا 

وقولا له : أأنت سويت وسطها * منيرا إذا ما جنه الليل هاديا 

وقولا له : من يرسل الشمس غدوة * فيصبح ما مست من الأرض ضاحيا (2/ 58) 

وقولا له : من ينبت الحب في الثرى * فيصبح منه البقل يهتز رابيا 

ويخرج منه حبه في رءوسه * وفي ذاك آيات لمن كان واعيا 

وأنت بفضل منك نجيت يونسا وقد بات في أضعاف حوت لياليا * 

وإني ولو سبحت باسمك ربنا * لأكثر ، إلا ما غفرت ، خطائيا 

فرب العباد ألقِ سيبا ورحمة * علي وبارك في بَنيَّ وماليا 

وقال زيد بن عمرو يعاتب امرأته صفية بنت الحضرمي - 

- نسب الحضرمي 

@ قال ابن هشام : واسم الحضرمي : عبدالله بن عماد بن أكبر أحد الصدف ، واسم الصدف : عمرو بن مالك أحد السكون بن أشرس بن كندي ؛ ويقال : كندة بن ثور بن مرتع بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن مهسع بن عمرو بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ ؛ ويقال : مرتع بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ . 

- زيد يعاتب زوجته لمنعها له عن البحث في الحنيفية 

@ قال ابن إسحاق : وكان زيد بن عمرو قد أجمع الخروج من مكة ليضرب في الأرض يطلب الحنيفية دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، فكانت صفية بنت الحضرمي كلما رأته قد تهيأ للخروج وأراده آذنت به الخطاب بن نفيل ، وكان (2/ 59) الخطاب بن نفيل عمه وأخاه لأمه ، وكان يعاتبه على فراق دين قومه ، وكان الخطاب قد وكَّل صفية به ، وقال : إذا رأيتيه قد هم بأمر فآذنيني به - فقال زيد : 

لا تحبسيني في الهوا ن * صفيَّ ما دأبي ودابُهْ 

إني إذا خفت الهوا ن * مشيع ذُلُل ركابه 

دعموص أبواب الملو ك * وجائب للخرق نابه 

قطاع أسباب تذ لّ * بغير أقران صعابه 

وإنما أخذ الهوا ن * العير إذ يوهي إهابه 

ويقول إني لا أذ لّ بصك * جنبيه صلابه 

وأخي ابن أمي ثم * عمّي لا يُواتيني خطابه 

وإذا يعاتبني بسو ء * قلت أعياني جوابه 

ولو أشاء لقلت ما * عندي مفاتحه وبابه 

- قول زيد حين يستقبل الكعبة 

@ قال ابن إسحاق : وحدثت عن بعض أهل زيد بن عمرو بن نفيل ، أن زيدا كان إذا استقبل الكعبة داخل المسجد ، قال : لبيك حقا حقا ، تعبدا ورقا . 

عذت بما عاذ به إبراهيمْ * مستقبل القبلة وهو قائم (2/ 60) 

إذ قال : 

أنفي لك اللهم عان راغمْ * مهما تجشمني فإني جاشم 

البرَّ أبغي لا الخال ، ليس مُهجِّر كمن قال . * 

قال ابن هشام : ويقال : البر أبقى لا الخال ، ليس مهجر كمن قال . 

قال : وقوله ( مستقبل الكعبة ) عن بعض أهل العلم . 

قال ابن إسحاق : وقال زيد بن عمرو بن نفيل : 

وأسلمت وجهي لمن أسلمت * له الأرض تحمل صخرا ثقالا 

دحاها فلما رآها استوت * على الماء أرسى عليها الجبالا 

وأسلمت وجهي لمن أسلمت * له المزن تحمل عذبا زلالا 

إذا هي سيقت إلى بلدة * أطاعت فصبت عليها سجالا 

- الخطاب يؤذي زيدا ويحاصره 

@ وكان الخطاب قد آذى زيدا ، حتى أخرجه إلى أعلى مكة ، فنزل حراء مقابل مكة ، ووكل به الخطاب شبابا من شباب قريش وسفهاء من سفهائها ، فقال لهم : لا تتركوه يدخل مكة ؛ فكان لا يدخلها إلا سرا منهم ، فإذا علموا بذلك آذنوا به الخطاب فأخرجوه وآذوه كراهية أن يفسد عليهم دينهم ، وأن يتابعه أحد منهم على فراقه . 

فقال وهو يعظم حرمته على من استحل منه ما استحل من قومه : (2/ 61) 

لاهُمَّ إني محرم لا حِلَّهْ * وإن بيتي أوسط المحلَّهْ 

عند الصفا ليس بذي مَضلَّهْ * 

- زيد يرحل إلى الشام وموته 

@ ثم خرج يطلب دين إبراهيم عليه السلام ، ويسأل الرهبان والأحبار ، حتى بلغ الموصل والجزيرة كلها ، ثم أقبل فجال الشام كله ، حتى انتهى إلى راهب بميفعة من أرض البلقاء كان ينتهي إليه علم أهل النصرانية فيما يزعمون ، فسأله عن الحنيفية دين إبراهيم ؛ فقال : إنك لتطلب دينا ما أنت بواجد من يحملك عليه اليوم ، ولكن قد أظل زمان نبي يخرج من بلادك التي خرجت منها ، يُبعث بدين إبراهيم الحنيفية ، فالحق بها ، فإنه مبعوث الآن ، هذا زمانه . 

وقد كان شامَّ اليهودية والنصرانية ، فلم يرض شيئا منهما ، فخرج سريعا ، حين قال له ذلك الراهب ما قال ، يريد مكة ، حتى إذا توسط بلاد لخم عدوا عليه فقتلوه . 

- ورقة يرثي زيدا 

@ فقال ورقة بن نوفل بن أسد يبكيه : 

رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما * تجنبت تنورا من النار حاميا (2/ 62) 

بدينك ربا ليس رب كمثله * وتركك أوثان الطواغي كما هيا 

وإدراكك الدين الذي قد طلبته * ولم تك عن توحيد ربك ساهيا 

فأصبحت في دار كريم مقامها * تُعلَّل فيها بالكرامة لاهيا 

تلاقي خليل الله فيها ولم تكن * من الناس جبارا إلى النار هاويا 

وقد تدرك الإنسان رحمة ربه * ولو كان تحت الأرض سبعين واديا 

قال ابن هشام : يروى لأمية بن أبي الصلت البيتان الأولان منها ، وآخرها بيتا في قصيدة له ، وقوله : ( أوثان الطواغي ) عن غير ابن إسحاق . (2/ 63) 

فصل - صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإنجيل 


- يحنس الحواري يثبت بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم من الإنجيل 

@ قال ابن إسحاق : وقد كان ، فيما بلغني عما كان وضع عيسى بن مريم فيما جاءه من الله في الإنجيل لأهل الإنجيل من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مما أثبتت يحُنَّس الحواري لهم ، حين نسخ لهم الإنجيل عن عهد عيسى بن مريم عليه السلام في رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم أنه قال : من أبغضني فقد أبغض الرب ، ولولا أني صنعت بحضرتهم صنائع لم يصنعها أحد قبلي ، ما كانت لهم خطيئة ، ولكن من الآن بطروا وظنوا أنهم يعزونني ، وأيضا للرب ، ولكن لا بد من أن تتم الكلمة التي في الناموس : أنهم أبغضوني مجَّانا ، أي باطلا . فلو قد (2/ 64) جاء اُلمنْحَمَنَّا هذا الذي يُرسله الله إليكم من عند الرب ، وروح القدس ، هذا الذي من عند الرب خرج ، فهو شهيد علي وأنتم أيضا ، لأنكم قديما كنتم معي في هذا قلت لكم : لكيما لا تشكوا . 

والمنحمنا بالسريانية : محمد ، وهو بالرومية : البرَقْلِيطس ، صلى الله عليه و آله و سلم .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مجنون ليلى - الفصل الثالث

(٩٧) بيتهوفن , لحن الموت , النهاية

كتاب الدعوات