فصل - الوليد بن المغيرة و كيده للرسول ، وموقفه من القرآن


فصل - الوليد بن المغيرة و كيده للرسول ، وموقفه من القرآن 


- اجتماعه بنفر من قريش ليبيتوا ضد النبي صلى الله عليه و سلم 

@ و اتفاق قريش أن يصفوا الرسول صلى الله عليه و سلم بالساحر ، و ما أنزل الله فيهم 

ثم إن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش ، وكان ذا سن فيهم ، وقد حضر الموسم فقال لهم : يا معشر قريش ، إنه قد حضر هذا الموسم ، وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه ، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا ، فأجمعوا فيه رأيا واحدا ، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا ، ويرد قولكم بعضه بعضا ؛ قالوا : فأنت يا أبا عبد شمس ، فقلْ وأقمْ لنا رأيا نقول به ؛ قال : بل أنتم فقولوا أسمعْ ؛ قالوا : نقول كاهن ؛ قال : لا والله ما هو بكاهن ، لقد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه ؛ قالوا : فنقول : مجنون ؛ قال : ما هو بمجنون ، لقد رأينا الجنون وعرفناه ، فما هو بخنقه ، ولا تخالجه ، ولا وسوسته ؛ قالوا : فنقول : شاعر ؛ قال : ما هو بشاعر ، لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه ، فما هو بالشعر ؛ قالوا : فنقول : ساحر ؛ قال : ما هو بساحر ، لقد رأينا السحار وسحرهم ، فما هو بنفثهم ولا عقدهم ؛ قالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس ؟ قال : والله إن لقوله لحلاوة ، وإن أصله لعذق ، وإن فرعه لجناة - قال ابن هشام : (2/ 106) ويقال لغَدَق - وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عُرف أنه باطل ، وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا ساحر ، جاء بقول هو سحر يفرق به بين المرء وأبيه ، وبين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجته ، وبين المرء وعشيرته . 

فتفرقوا عنه بذلك ، فجعلوا يجلسون بسبل الناس حين قدموا الموسم ، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه ، وذكروا لهم أمره . 

فأنزل الله تعالى في الوليد بن المغيرة و في ذلك من قوله : ( ذرني ومن خلقت وحيدا ، وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ، ومهَّدت له تمهيدا . ثم يطمع أن أزيد . كلا إنه كان لآياتنا عنيدا ) : أي خصيما . (2/ 107) 

قال ابن هشام : عنيد : معاند مخالف . قال رؤبة بن العجاج : 

ونحن ضرابون رأس العُنَّدِ * 

وهذا البيت في أرجوزة له . 

( سأرهقه صعودا ، إنه فكر وقدر ، فقتل كيف قدر . ثم قتل كيف قدر . ثم نظر ، ثم عبس وبسر ) . 

قال ابن هشام : بسر : كره وجهه . قال العجاج : 

مضبر اللحيين بسرا منهسا * 

يصف كراهية وجهه . وهذا البيت في أرجوزة له . 

( ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر ، إن هذا إلا قول البشر ) . 

- رد القرآن على صحب الوليد 

@ قال ابن إسحاق : وأنزل الله تعالى : في النفر الذين كانوا معه يصنفون القول في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيما جاء به من الله تعالى : ( كما أنزلنا على المقتسمين . الذين جعلوا القرآن عضين . فوربك لنسئلنهم أجمعين . عما كانوا يعملون ) . 

قال ابن هشام : واحدة العضين : عضة ، يقول : عضوه : فرقوه . قال رؤبة بن العجاج : 

وليس دين الله بالمُعَضَّى * 

وهذا البيت في أرجوزة له . (2/ 108) 

- تفرق النفر في قريش يشوهون رسالة الرسول صلى الله عليه و سلم 

@ قال ابن إسحاق : فجعل أولئك النفر يقولون ذلك في رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن لقوا من الناس ، وصدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فانتشر ذكره في بلاد العرب كلها . 

- شعر أبي طالب في معاداة خصومه 

@ فلما خشي أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع قومه ، قال قصيدته التى تعوذ فيها بحرم مكة وبمكانه منها ، وتودد فيها أشراف قومه ، وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في ذلك من شعره أنه غير مسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا تاركه لشيء أبدا حتى يهلك دونه ، فقال : 

ولما رأيت القوم لا ود فيهمُ * وقد قطعوا كل العرى والوسائل 

وقد صارحونا بالعداوة والأذى * وقد طاوعوا أمر العدو المزايل 

وقد حالفوا قوما علينا أظنّة * يعضون غيظا خلفنا بالأنامل 

صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة * وأبيض عضب من تراث المقاول 

وأحضرت عند البيت رهطي وإخوتي * وأمسكت من أثوابه بالوصائل 

قياما معا مستقبلين رتاجه * لدي حيث يقضي حلفه كل نافل 

وحيث يُنيخ الأشعرون ركابهم * بمفضَى السيول من إساف ونائل (2/ 109) 

موسمَّة الأعضاد أو قصراتها * مخُيَّسة بين السَّديس وبازل 

ترى الودع فيها والرخام وزينة * بأعناقها معقودة كالعثاكل 

أعوذ برب الناس من كل طاعن * علينا بسوء أو مُلحّ بباطل 

ومن كاشح يسعى لنا بمعيبة * ومن ملحق في الدين ما لم نحاول 

وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه * وراق ليرقى في حراء ونازل 

وبالبيت ، حق البيت ، من بطن مكة * وبالله إن الله ليس بغافل 

وبالحجر المسودّ إذ يمسحونه * إذا اكتنفوه بالضحى والأصائل 

وموطىء إبراهيم في الصخر رطبة * على قدميه حافيا غير ناعل (2/ 110) 

وأشواط بين المروتين إلى الصفا * وما فيهما من صورة وتماثل 

ومن حج بيت الله من كل راكب ومن كل ذي نذر ومن كل راجل * 

وبالمشعر الأقصى إذا عمدوا له * إلالٌ إلى مُفضَى الشراج القوابل 

وتوقافهم فوق الجبال عشية * يقيمون بالأيدي صدور الرواحل 

وليلة جمع والمنازل من منى * وهل فوقها من حرمة ومنازل 

وجمع إذا ما المقربات أجزنه * سراعا كما يخرجن من وقع وابل 

وبالجمرة الكبرى إذا صمدوا لها * يؤمون قذفا رأسها بالجنادل 

وكندة إذ هم بالحصاب عشية * تجيز بهم حُجَّاج بكر بن وائل 

حليفان شدا عقد ما احتلفا له * وردَّا عليه عاطفات الوسائل 

وحطمهمُ سمُر الصفاح وسرحه * وشبرقة وَخْدَ النعام الجوافل (2/ 111) 

فهل بعد هذا من معاذ لعائذ * وهل من معيذ يتقى الله عاذل 

يُطاع بنا أمر العدَّى وودّوا لو اننا * تُسد بنا أبواب ترك وكابل 

كذبتم وبيت الله نترك مكة * ونظعن إلا أمركم في بلابل 

كذبتم وبيت الله نُبزَى محمدا * ولما نطاعن دونه ونناضل 

ونسلمه حتى نصرع حوله * و نذهل عن أبنائنا والحلائل 

وينهض قوم في الحديد إليكمُ * نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل 

وحتى ترى ذا الضغن يركب رَدْعه من الطعن فعل الأنكب المتحامل * 

وإنا لعمر الله إنْ جدَّ ما أرى * لَتلتبسنْ أسيافنا بالأماثل 

بِكفَّيْ فتى مثل الشهاب سميدع * أخي ثقة حامي الحقيقة باسل 

شهورا وأياما وحولا مجَرَّما * علينا وتأتي حِجة بعد قابل 

وما ترك قوم ، لا أبا لك ، سيدا * يحوط الذمار غير ذرب مواكل 

وأبيض يستقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل 

يلوذ به الهُلاّف من آل هاشم فهم عنده في رحمة وفواضل * (2/ 112) 

لعمري لقد أجرى أسيد وبكره * إلى بغضنا وجزّآنا لآكل 

وعثمان لم يربع علينا وقنفذ * ولكن أطاعا أمر تلك القبائل 

أطاعا أُبيّا وابن عبد يغوثهم * ولم يرقبا فينا مقالة قائل 

كما قد لقينا من سُبيع ونوفل * وكلٌّ تولى معرضا لم يجُامل 

فإن يُلْقيا أو يمُكن الله منهما * نكلْ لهما صاعا بصاع المُكايل 

وذاك أبو عمرو أبي غير بُغضنا * ليُظعننا في أهل شاء وجامل 

يناجي بنا في كل ممسى ومصبح * فناج أبا عمرو بنا ثم خاتل 

ويُؤْلى لنا بالله ما إن يغشُّنا * بلى قد نراه جهرة غير حائل 

أضاق عليه بغضنا كل تلعة * من الأرض بين أخشب فمجادل 

وسائلْ أبا الوليد ماذا حبوتنا * بسعيك فينا معرضا كالمخاتل 

وكنت امرأ ممن يُعاش برأيه * ورحمته فينا ولست بجاهل 

فعتبة لا تسمع بنا قول كاشح * حسود كذوب مبغض ذي دغاول 

ومر أبو سفيان عني معرضا * كما مر قَيْلٌ من عظام المقاول (2/ 113) 

يفر إلى نجد وبرد مياهه * ويزعم أني لست عنكم بغافل 

ويخبرنا فعل المناصح أنه * شفيق ويخفي عارمات الدواخل 

أمطعمُ لم أخذلك في يوم نجدة * ولا معظم عند الأمور الجلائل 

ولا يوم خصم إذا أتوك ألدّة * أُولي جدل من الخصوم المساجل 

أمطعم إن القوم ساموك خطة * وإني متى أُوكلْ فلست بوائل 

جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا * عقوبة شر عاجلا غير آجل 

بميزان قسط لا يخُسّ شعيرة * له شاهد من نفسه غير عائل 

لقد سفهت أحلام قوم تبدلوا * بني خلف قيضا بنا والغياطل 

ونحن الصميم من ذؤابة هاشم * وآل قصي في الخطوب الأوائل 

وسهم ومخزوم تمالوا وألَّبوا * علينا العدا من كل طمل وخامل (2/ 114) 

فعبد مناف أنتم خير قومكم * فلا تشركوا في أمركم كل واغل 

لعمري لقد وهنتمُ وعجزتمُ * وجئتم بأمر مخطىء للمفاصل 

وكنتم حديثا حطب قدر وأنتم الْ آن * حطاب أَقدُر ومراجل 

ليهنىء بني عبد مناف عقوقنا * وخذلاننا وتركنا في المعاقل 

فإن نك قوما نتَّئر ما صنعتمُ * وتحتلبوها لقحة غير باهل 

وسائط كانت في لؤي بن غالب * نفاهم إلينا كل صقر حُلاحل 

ورهط نفيل شر من وطىء الحصى * وألأم حاف من معد وناعل 

فأبلغ قصيا أن سيُنشر أمرنا * وبشر قصيا بعدنا بالتخاذل 

ولو طرقت ليلا قصيا عظيمة * إذا ما لجأنا دونهم في المداخل 

ولو صدقوا ضربا خلال بيوتهم * لكنا أٌسى عند النساء المطافل 

فكل صديق وابن أخت نعده * لعمري وجدنا غِبَّه غير طائل 

سوى أن رهطا من كلاب بن مرة * براء إلينا من معقَّة خاذل (2/ 115) 

وهنَّا لهم حتى تبدد جمعهم * ويحسر عنا كل باغ وجاهل 

وكان لنا حوض السقاية فيهم * ونحن الكُدى من غالب والكواهل 

شباب من المطيِّبين وهاشم * كبيض السيوف بين أيدي الصياقل 

فما أدركوا ذحلا ولا سفكوا دما * ولا حالفوا إلا شرار القبائل 

بضرب ترى الفتيان فيه كأنهم * ضواري أسود فوق لحم خرادل 

بني أمة محبوبة هندكية * بني جمح عُبيد قيس بن عاقل 

ولكننا نسل كرام لسادة * بهم نُعي الأقوام عند البواطل 

ونعم ابن أخت القوم غير مكذَّب * زهير حساما مفردا من حمائل 

أشمُّ من الشم البهاليل ينتمي * إلى حسب في حومة المجد فاضل 

لعمري لقد كُلِّفت وجدا بأحمد وإخوته دأب المحب المواصل * 

فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها * وزينا لمن والاه رب المشاكل 

فمن مثله في الناس أي مُؤمَّل * إذا قاسه الحكام عند التفاضل 

حليم رشيد عادل غير طائش * يوالي إلاها ليس عنه بغافل 

فوالله لولا أن أجيء بسنة * تجُر على أشياخنا في المحافل 

لكنا اتبعناه على كل حالة * من الدهر جِدّا غير قول التهازل 

لقد علموا أن ابننا لا مكذَّب لدينا ولا يُعنى بقول الأباطل * (2/ 116) 

فأصبح فينا أحمد في أرومة * تُقصِّر عنه سورة المتطاول 

حدبت بنفسي دونه وحميته * ودافعت عنه بالذرا والكلاكل 

فأيده ربُّ العباد بنصره * وأظهر دينا حقه غير باطل 

رجال كرام غير مِيل نماهم * إلى الخير آباء كرام المحاصل 

فإن تك كعب من لؤي صُقيبة * فلا بد يوما مرة من تزايل 

قال ابن هشام : هذا ما صح لي من هذه القصيدة ، وبعض أهل العلم بالشعر ينكر أكثرها . 

- الرسول عليه الصلاة والسلام يستقي لأهل المدينة حين أقحطوا ، فنـزل المطر ، وود لو أن أبا طالب حي ، ليرى ذلك 

@ قال ابن هشام : وحدثني من أثق به ، قال : أقحط أهل المدينة ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فشكوا ذلك إليه ، فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فاستسقى ، فما لبث أن جاء من المطر ما أتاه أهل الضواحي يشكون منه الغرق ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم حوالينا ولا علينا ، فانجاب السحاب عن المدبنة فصار (2/ 117) حوليها كالإكليل ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أردك أبو طالب هذا اليوم لسره ، فقال له بعض أصحابه : كأنك يا رسول الله أردت قوله : 

وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل 

قال : أجل . 

قال ابن هشام : وقوله ( وشبرقة ) عن غير ابن إسحاق . 

- ذكر الأسماء التى وردت في قصيدة أبي طالب 

@ قال ابن إسحاق : والغياطل : من بني سهم بن عمرو بن هصيص ، وأبو سفيان بن حرب بن أمية . ومطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف . وزهير بن أبي أمية بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ، و أمه عاتكة بنت عبدالمطلب . 

قال ابن إسحاق : وأسيد ، وبكره : عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي . وعثمان بن عبيد الله ، أخو طلحة بن عبيد الله التيمي . وقنفذ بن عمير بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة . وأبو الوليد عتبة بن ربيعة . وأُبيّ الأخنس بن شريق الثقفي ، حليف بني زهرة بن كلاب . 

قال ابن هشام : وإنما سمي الأخنس ، لأنه خنس بالقوم يوم بدر ، وإنما اسمه أُبي ، وهو من بني علاج ، وهو علاج بن أبي سلمة بن عوف بن عقبة . والأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب . وسبيع بن خالد ، أخو بلحارث بن فهر . ونوفل بن خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قصي ، وهو ابن العدوية . وكان من شياطين قريش ، وهو الذي قرن بين أبي بكر الصديق وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما في حبل حين أسلما ، فبذلك كانا يُسميان (2/ 118) القرينين ؛ قتله علي بن أبي طالب عليه السلام يوم بدر . وأبو عمرو قُرظة بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف . 

( وقوم علينا أظنَّة ) : بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة ، فهؤلاء الذين عدد أبو طالب في شعره من العرب . 

- انتشار ذكر الرسول في القبائل خارج مكة ، و لاسيما في الأوس و الخزرج 

@ فلما انتشر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في العرب ، وبلغ البلدان ، ذكر بالمدينة ، ولم يكن حي من العرب أعلم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر ، وقبل أن يذكر من هذا الحي من الأوس والخزرج ، وذلك لما كانوا يسمعون من أحبار اليهود ، وكانوا لهم حلفاء ، ومعهم في بلادهم . فلما وقع ذكره بالمدينة ، وتحدثوا بما بين قريش فيه من الاختلاف . قال أبو قيس بن الأسلت . أخو بني واقف . 

- نسب أبي قيس بن الأسلت 

@ قال ابن هشام : نسب ابن إسحاق أبا قيس هذا هاهنا إلى بني واقف ، ونسبه في حديث الفيل إلى خطمة ، لأن العرب قد تنسب الرجل إلى أخي جده الذي هو أشهر منه . (2/ 119) 

قال ابن هشام : حدثني أبو عبيدة : أن الحكم بن عمرو الغفاري من ولد نُعيلة أخي غفار . وهو غفار بن مليل ، ونعيلة بن مليل بن ضمرة بن بكر ابن عبد مناة ، وقد قالوا عتبة بن غزوان السلمي ، وهو من ولد مازن بن منصور وسُليم بن منصور . 

قال ابن هشام : فأبو قيس بن الأسلت : من بني وائل ؛ ووائل ، وواقف ، وخطمة إخوة من الأوس . 

- شعر ابن الأسلت في الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم 

@ قال ابن إسحاق : فقال أبو قيس بن الأسلت - وكان يحب قريشا ، وكان لهم صهرا ، كانت عنده أرنب بنت أسد بن عبدالعزى بن قصي ، وكان يقيم عندهم السنين بامرأته - قصيدة يعظم فيها الحرمة ، وينهى قريشا فيها عن الحرب ، ويأمرهم بالكف بعضهم عن بعض ، ويذكر فضلهم وأحلامهم ، ويأمرهم بالكف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويذكرهم بلاء الله عندهم ، ودَفْعَه عنهم الفيل وكيده عنهم ، فقال : 

يا راكبا إما عرضت فبلغن * مغلغلة عني لؤي بن غالب 

رسول امرئ قد راعه ذات بينكم * على النأي محزون بذلك ناصب 

وقد كان عندي للهموم معرَّس * فلم أقض منها حاجتي ومآربي 

نُبيِّتكم شرجين كل قبيلة * لها أزمل من بين مُذْك وحاطب (2/ 120) 

أعيذكم بالله من شر صنعكم * وشر تباغيكم ودس العقارب 

وإظهار أخلاق ونجوى سقيمة * كوخز الأشافي وقعها حق صائب 

فذكِّرهم بالله أول وهلة * وإحلال أحرام الظباء الشوازب 

وقل لهم والله يحكم حكمه * ذروا الحرب تذهب عنكم في المراحب 

متى تبعثوها تبعثوها ذميمة * هي الغُول للأقصَين أو للأقارب 

تُقطِّع أرحاما وتهلك أمة * وتَبرْي السديف من سنام وغارب 

وتستبدلوا بالأتحمية بعدها * شليلا وأصداء ثياب المحارب 

وبالمسك والكافور غُبرْا سوابغا * كأن قتيرَيْها عيون الجنادب 

فإياكمُ والحرب لا تعلقنَّكم * و حوضا وخِيم الماء مر المشارب (2/ 121) 

تزين للأقوام ثم يرونها * بعاقبة إذ بيَّنت ، أم صاحب 

تحرق لا تُشوي ضعيفا وتنتحي * ذوي العز منكم بالحتوف الصوائب 

ألم تعلموا ما كان في حرب داحس * فتعتبروا أو كان في حرب حاطب 

وكم قد أصابت من شريف مسوَّد * طويل العماد ضيفُه غير خائب 

عظيم رماد النار يحُمد أمره * وذي شيمة محض كريم المضارب 

وماء هُريق في الضلال كأنما * أذاعت به ريح الصبا والجنائب 

يخبركم عنها امرؤ حق عالم * بأيامها والعلم علم التجارب 

فبيعوا الحراب مِلْمُحارب واذكروا * حسابكم والله خير محاسب (2/ 122) 

وليّ امرىء فاختار دينا فلا يكن * عليكم رقيبا غير رب الثواقب 

أقيموا لنا دينا حنيفا فأنتم * لنا غاية قد يهتدى بالذوائب 

وأنتم لهذا الناس نور وعصمة * تُؤَمُّون ، والأحلام غير عوازب 

وأنتم ، إذا ما حصل الناس ، جوهر * لكم سرة البطحاء شم الأرانب 

تصونون أجسادا كراما عتيقة * مهذبة الأنساب غير أشائب 

ترى طالب الحاجات نحو بيوتكم * عصائب هلكى تهتدي بعصائب 

لقد علم الأقوام أن سراتكم * على كل حال خير أهل الجباجب 

وأفضله رأيا وأعلاه سنة وأَقولُه للحق وسط المواكب * 

فقوموا فصلوا ربكم وتمسحوا * بأركان هذا البيت بين الأخاشب 

فعندكم منه بلاء ومصدق * غداة أبي يكسوم هادي الكتائب 

كتيبته بالسهل تمُسي ورَجْلُه * على القاذفات في رءوس المناقب 

فلما أتاكم نصر ذي العرش ردهم * جنود المليك بين ساف وحاصب (2/ 123) 

فولوا سراعا هاربين ولم يؤب * إلى أهله مِلْحُبْش غير عصائب 

فإن تهلكوا نهلكْ وتهلكْ مواسم * يُعاش بها ، قول امرئ غير كاذب 

قال ابن هشام : أنشدني بيته : ( وماء هريق ) ، وبيته : ( فبيعوا الحراب ) ، وقوله : ( ولي امرىء فاختار ) ، وقوله : 

على القاذفات في رءوس المناقب * 

أبو زيد الأنصاري وغيره . 



- حرب داحس والغبراء 

@ قال ابن هشام : وأما قوله : 

ألم تعلموا ما كان في حرب داحس * 

فحدثني أبو عبيدة النحوي : أن داحسا فرس كان لقيس بن زهير بن جذيمة بن رواحة بن ربيعة بن الحارث بن مازن بن قُطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان ؛ أجراه مع فرس لحذيفة بن بدر بن عمرو بن زيد بن جؤية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان ، يقال لها : الغبراء . 

فدس حذيفة قوما وأمرهم أن يضربوا وجه داحس إن رأوه قد جاء سابقا ، فجاء داحس سابقا فضربوا وجهه ، وجاءت الغبراء . فلما جاء فارس داحس أخبر قيسا الخبر ، فوثب أخوه مالك بن زهير فلطم وجه الغبراء ، فقام حمَل بن بدر فلطم مالكا . ثم إن أبا الجُنَيْدب العبسي لقي عوف بن حذيفة فقتله ، ثم لقي رجل من بني فزارة مالكا فقتله ، فقال حمل بن بدر أخو حذيفة بن بدر : (2/ 124) 

قتلنا بعوف مالكا وهو ثأرنا * فإن تطلبوا منا سوى الحق تندموا 



وهذا البيت في أبيات له . وقال الربيع بن زياد العبسي : 

أفبعد مقتل مالك بن زهير * ترجو النساء عواقب الأطهار 

وهذا البيت في قصيدة له . 

فوقعت الحرب بين عبس وفزارة ، فقتل حذيفة بن بدر وأخوه حمل بن بدر ، فقال قيس بن زهير بن جذيمة يرثي حذيفة ، وجزع عليه : 

كم فارس يُدعى وليس بفارس * وعلى الهباءة فارس ذو مَصْدَقِ (2/ 125) 

فابكوا حذيفة لن تُرَثُّوا مثله * حتى تبيد قبائل لم تخلق 

وهذان البيتان في أبيات له . وقال قيس بن زهير : 

على أن الفتى حمل بن بدر بغى والظلم مرتعه وخيم * 

وهذا البيت في أبيات له . وقال الحارث بن زهير أخو قيس بن زهير: 

تركت على الهباءة غير فخر * حذيفة عنده قصد العوالي 

وهذا البيت في أبيات له . 

قال ابن هشام : ويقال : أرسل قيس داحسا والغبراء ، وأرسل حذيفة الخطار والحنفاء ، والأول أصح الحديثين . وهو حديث طويل منعني من استقصائه قطعه حديث سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم . 



- حرب حاطب 

@ قال ابن هشام : وأما قوله : ( حرب حاطب ) . فيعني حاطب بن الحارث ابن قيس بن هيشة بن الحارث بن أمية بن معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، كان قتل يهوديا جارا للخزرج ، فخرج إليه يزيد بن الحارث بن قيس بن مالك بن أحمر بن حارثة بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج - وهو الذي يقال له : ابن فُسحم ، وفسحم أمه ، وهي امرأة من القين بن جسر - ليلا في نفر من بني الحارث بن الخزرج فقتلوه ، فوقعت الحرب بين الأوس والخزرج فاقتتلوا قتالا شديدا ، فكان الظفر للخزرج على الأوس ، وقتل يومئذ سويد بن صامت بن خالد بن عطية بن حوط بن حبيب بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، قتله المجذَّر بن ذياد البلوي ، واسمه عبدالله ، حليف بني عوف بن الخزرج . 

فلما كان يوم أحد خرج المجذر بن ذياد (2/ 126) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخرج معه الحارث بن سويد بن صامت ، فوجد الحارث بن سويد غِرَّة من المجذر فقتله بأبيه . وسأذكر حديثه في موضعه إن شاء الله تعالى . ثم كانت بينهم حروب منعني من ذكرها واستقصاء هذا الحديث ما ذكرت في حديث حرب داحس . 

- شعر حكيم بن أمية في نهي قومه عن عداوة الرسول صلى الله عليه و سلم 

@ قال ابن إسحاق : وقال حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمي ، حليف بني أمية وقد أسلم ، يورّع قومه عما أجمعوا عليه من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان فيهم شريفا مطاعا : 

هل قائل قولا هو الحق قاعد * عليه وهل غضبان للرشد سامعُ 

وهل سيد ترجو العشيرةُ نفعه * لأقصى الموالي والأقارب جامع 

تبرأت إلا وجه من يملك الصبا * وأهجركم ما دام مُدْل ونازع 

وأُسلم وجهي للإله ومنطقي * ولو راعني من الصديق روائع

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مجنون ليلى - الفصل الثالث

(٩٧) بيتهوفن , لحن الموت , النهاية

كتاب الدعوات